لاميّة العرب للشنفري
1 | أقيموا بني أمّي صدورَ مطيِّكم | فإنِّ الى قومٍ سواكم لأميلُ |
2 | فقد حمَّت الحاجاتُ واللَّيلُ مقمرٌ | وشُدَّت لطيَّاتٍ مطايا وأرحُلُ |
3 | وفي الأرضِ منأى للكريمِ عن الأذى | وفيها لمن خافَ القلى متعزَّلُ |
4 | لعمركَ ما بالأرضِ ضيقٌ على امرئٍ | سرى راغباً أو راهباً وهو يعقِلُ |
5 | ولي دونكم أهلون: سيدٌ عملَِّسٌ | وأرقطُ زهلولٌ وعرفاءُ جيألُ |
6 | همُ الأهلُ لا مستودعُ السرِّ ذائعٌ | لديهم ولا الجاني بما جرَّ يُخذَلُ |
7 | وكلٌّ أبيٌّ باسلٌ غيرَ أنَّني | إذا عَرَضَتْ أولى الطرائدِ أبسلُ |
8 | وإن مدَّت الأيدي إلى الزَّادِ لم أكن | بأعجلهم إذ أجشعُ القومِ أعجلُ |
9 | وما ذاكَ إلا بسطةٌ عن تفضُّلٍ | عليهم وكانَ الأفضلَ المتفضِّلُ |
10 | وإني كفاني فقد من ليسَ جازياً | بحسنى ولا في قربهِ متعلِّلُ |
11 | ثلاثةُ أصحابٍ: فؤادٌ مشيعٌ | وأبيضُ إصليتٌ وصفراءُ عيطلُ |
12 | هتوفٌ من الملسِ المتونِ تزينها | رصائعُ قد نيطت إليها ومحملُ |
13 | إذا زلَّ عنها السهمُ حنَّت كأنها | مرزَّأةٌ عجلى ترنُّ وتعولُ |
14 | وأغذو خميصَ البطن لا يستفزني | إلى الزادِ حرصٌ أو فؤادٌ موكَّلُ |
15 | ولست بمهيافٍ يعشِّي سوامهُ | مجدَّعةً سقبانها وهيَ بهَّلُ |
16 | ولا جبَّأ أكهى مربٍّ بعرسهِ | يطالعها في شأنه كيفَ يفعلُ |
17 | ولا خرِقٍ هيقٍ كأن فؤادهُ | يظلُّ به المكَّاءُ يعلو ويسفلُ |
18 | ولا خالفٍ داريةٍ متغزلٍ | يروحُ ويغدو داهناً يتكحلُ |
19 | ولستُ بعلٍّ شرُّهُ دون خيرهِ | ألفَّ إذا ما رعتَهُ اهتاجَ أعزلُ |
20 | ولست بمحيارِ الظلامِ إذا انتحت | هدى الهوجلِ والعسيف يهماءُ هؤجلُ |
21 | إذا الأمعزُ الصّوّانُ لاقى مناسمي | تطايرَ منه قادحٌ ومفللُ |
22 | أُديمُ مِطالَ الجوعِ حتى أميتهُ | وأضربُ عنه الذِّكرَ صفحاً فأذهلُ |
23 | وأستفُّ تربَ الأرضِ كيلا يُرى لهُ | عليَّ منَ الطولِ امرؤٌ متطوِّلُ |
24 | ولولا اجتنابُ الذأمِ لم يلفَ مشربٌ | يعاشُ به إلا لديَّ ومأكلُ |
25 | ولكنَّ نفساً مُرَّةً لا تقيمُ بي | على الذامِ إلا ريثما أتحوَّلُ |
26 | وأطوي على الخمصِ الحوايا كما انطوت | خيوطةُ ماريٍّ تُغارُ وتُفتلُ |
27 | وأغدو على القوتِ الزهيدِ كما غدا | أزلُّ تهاداهُ التنائفَ أطحلُ |
28 | غدا طاوياً يعارضُ الريحَ هافياً | يخوتُ بأذنابِ الشعابِ ويعسلُ |
29 | فلما لواهُ القوتُ من حيثُ أمهُ | دعا فأجابتهُ نظائرُ نحلُ |
30 | مهلَّلةٌ شيبُ الوجوهِ كأنها | قِداحٌ بأيدي ياسرٍ تتقلقلُ |
31 | أو الخشرمُ المبعوثُ حثحثَ دبرهُ | محابيضُ أرداهنَّ سامٍ معسِّلُ |
32 | مهرَّتةٌ فوهٌ كأنَّ شدوقها | شقوقُ العصيِّ كالحاتٌ وبسِّلُ |
33 | فضجَّ وضجَّت بالبراحِ كأنها | وإياهُ نوحٌ فوقَ علياءَ ثكَّلُ |
34 | وأغغضى وأغضت واتَّسى واتَّست به | مراميلُ عزَّاها وعزَّتهُ مرملُ |
35 | شكا وشكت ثمَّ ارعوى بعد وارعوت | وللصبرُ إن لم ينفعِ الشكوُ أجملُ |
36 | وفاءَ وفاءت بادراتٍ وكلُّها | على نكظٍ مما يكاتمُ مجملُ |
37 | وتشربُ أسآري القطا الكدرُ بعدما | سَرَت قَرَباً أحناؤها تتصلصلُ |
38 | هممتُ وهمَّت وابتدرنا وأسدلت | وشمَّرَ مني فارطٌ متمهِّلُ |
39 | فولَّيتُ عنها وهي تكبو لعقرهِ | يباشرهُ منها ذقونٌ وحوصلُ |
40 | كأنَّ وغاها حجرتيهِ وحولهُ | أضاميمُ من سفرِ القبائلِ نزَّلُ |
41 | توافينَ من شتَّى إليهِ فضمَّها | كما ضمَّ أذوادَ الأصاريمِ منهلُ |
42 | فغبَّ غِشاشاً ثم مرَّت كأنها | مع الصبحِ ركبٌ من أحاظةَ مجفلُ |
43 | وآلفُ وجهَ الأرضِ عند افتراشها | بأهدَأَ تنبيهِ سناسنُ قحَّلُ |
44 | وأعدلُ منحوضاً كأنَّ فصوصهُ | كعابٌ دحاها لاعبٌ فيَ مثَّلُ |
45 | فإن تبتئس بالشَّنفرى أمُّ قسطلٍ | لمَا اغتبطت بالشَّنفرى قبلُ أطولُ |
46 | طريدُ جناياتٍ تياسرنَ لحمَهُ | عقيرتهُ لأيِّها حمَّ أوَّلُ |
47 | تنامُ إذا ما نام يقظى عيونها | حثاثاً إلى مكروههِ تتغلغلُ |
48 | وإلفُ همومٍ ما تزالُ تعودهُ | عياداً كحمَّى الرِّبعِ أو هي أثقلُ |
49 | إذا وردت أصدرتُها ثم إنها | تثوبُ فتأتي من تحيتُ ومن علُ |
50 | فإما تريني كابنةِ الرَّملِ ضاحياً | على رقَّةٍ أخفى ولا أتنعَّلُ |
51 | فإني لمولى الصبرِ أجتابُ بزَّهُ | على مثلِ قلبِ السمعِ والحزمَ أفعلُ |
52 | وأُعدمُ أحياناً وأغنى وإنما | ينالُ الغنى ذو البُعدةِ المتبذِّلُ |
53 | فلا جزعٌ من خلَّةٍ متكشِّفٌ | ولا مرحٌ تحتَ الغنى أتخيَّلُ |
54 | ولا تزدهي الأجهالُ حلمي ولا أرى | سؤولاً بأعقاب الأقاويلِ أُنمِلُ |
55 | وليلةِ نحسٍ يصطلي القوسَ ربُّها | وأقطعهُ الاَّتيُ بها يتنبَّلُ |
56 | دعستُ على غطشٍ وبغشٍ وصحبتي | سُعارٌ وإرزيزٌ ووجرٌ أفكلُ |
57 | فأيمتُ نسواناً أيتمتُ إلدةً | وعدتُ كما أبدأتُ والليلُ أليَلُ |
58 | وأصبحَ عني بالغميصاءِ جالساً | فريقانِ: مسؤولٌ وآخرُ يسألُ |
59 | فقالوا: لقد هرَّت بليلٍ كلابنا | فقلنا: أذئبٌ عسَّ أم عسَّ فرعُلُ |
60 | فلم يكُ إلا نبأةٌ ثم هوَّمت | فقلنا: قطاةٌ ريعَ أم ريعَ أجدلُ |
61 | فإن يكُ من جنٍّ لأبرحُ طارقاً | وإن يكُ إنساً ما كها الأنسُ تفعلُ |
62 | ويومٍ من الشِّعرى يذوبُ لعابهُ | أفاعيهِ في رمضائهِ تتململُ |
63 | نصبتُ له وجهي ولا كنَّ دونَهُ | ولا سترَ إلا الأتحميُّ المرعبلُ |
64 | وضافٍ إذا طارت له الريحُ طيرت | لبائدَ عن أعطافهِ ما ترجلُ |
65 | بعيدٌ بمسِّ الدهنِ والفلي عهدهُ | له عَبَسٌ عافٍ من الغِسلِ مُحولُ |
67 | وخرقٍ كظهرِ الترسِ قفرٍ قطعتهُ | بعاملتينِ، ظهرُهُ ليسَ يُعملُ |
68 | فألحقتُ أولاهُ بأُخراهُ موفياً | على قنَّةٍ أُقعي مراراً وأمثُلُ |
69 | ترودُ الأراوي الصُّحمُ حولي كأنها | عذارى عليهنَّ الملاءُ المذيَّلُ |
70 | ويركدنَ بالآصالِ حولي كأنني | من العصمِ أدفى ينتحي الكيحَ أعقلُ |